الرئيسية » مقالات » مقالاتي

هجاء من مقام " دو " تماسيح.... بقلم الشاعر والتشكيلي الياس توفيق حميصي
هجاء من مقام " دو " تماسيح.
 الياس توفيق حميصي

لكَ أنْ تقولَ عنِّي ما تشاءُ أيُّها الصَّغيرُ .!.
 أعرفُ أنَّني أستطيعُ أنْ أراكَ كما أنتَ تماماً، فأنتَ شفَّافٌ، شفَّافٌ جداً، أليسَ كذلكَ.؟.
لا تُقْفِلْ صُنبورَ رائحَتِكَ النَّتِنَةِ، مَخافةَ أنْ يشمَّها أحدٌ؛ لأنَّني أشمُّك جيِّداً جدَّاً ككلبِ صيدٍ أصيلٍ، وأعرفُ أنَّكَ تحتاجُ إلى أنهارِ العالمِ، لكي تغسلَ يديكَ، لكنَّكَ لنْ تخرجَ بِيدينِ نظيفتينِ.
مشكلتُكَ ليسَتْ في جِلدِكَ، مشكلتُكَ تكمنُ عميقاً تحتَ الجلدِ؛ لذلكَ لا تُتعِبْ نفسَكَ كثيراً، في استخدامِ أرقى المنظِّفاتِ غاليةِ الثمنِ، " ديتول "؛ حَسَنٌ، بإمكانِكَ أنْ تستعملَ الـ " دِيتُولْ "، أوْ أيَّ نوعٍ آخرَ مِنَ المُعقِّماتِ، لكنَّكَ لنْ تستطيعَ أنْ تُغلقَ بوَّابةَ العُهْرِ على أنيابِكَ المفتوحةِ على ريحِ الجِيفةِ الَّتي تسكُنُكَ.!.
بِإِمكانِكَ أنْ تتظاهرَ بالنَّصاعةِ وَالبَياضِ، ولكِنْ مَنْ قالَ لكَ إِنَّ الأبيضَ هوَ بِالضَّرورةِ الأكثرُ نصاعةً، أو نظافةً، ما رَأيُكَ في امرأةٍ سَوداءَ، أو طقمٍ أسودَ، أو ربطةِ عُنُقٍ سوداءَ؛ ما رأيُكَ في الليلِ، في الظُّلمةِ، ما رأيُكَ في جَوْفِ كَهْفٍ سحيقٍ، ما رأيُكَ في لُؤلُؤةٍ سوداءَ، في ثوبِ سَهْرَةٍ أسودَ. وحدَهُ قلبُكَ الأسودُ، أيُّها الغافِلُ، لنْ يستطيعَ أنْ يُفَرِّقَ بينَ الأبيضِ والأسودِ؛ ولنْ يستطيعَ أنْ يُدرِكَ أنَّ الأسودَ أكثرُ نصاعةً مِمَّا في رُوحِكَ؛ إِشْتَرِ ما شئْتَ مِنَ الثِّيابِ الدَّاخليَّةِ البيضاءِ، ومِنَ الجواربِ والقُمصانِ والأطقمِ، بِإِمكانِكَ أنْ تَطْلِيَ قَسَماتَكَ بِالَّلونِ الأبيضِ، ويديكَ، ورِجْلَيْكَ، وأسنانَك،َ لكنَّكَ لنْ تقدِرَ أنْ تكونَ ناصِعاًً في يومٍ مِنَ الأيَّامِ؛ لنْ تجرُؤَ أنْ تكونَ نظيفاً أبداً.!.
جَرِّبْ، وَابْتَدِعْ ما تشاءُ مِنْ عِباراتِكَ البَلهاءِ المُنَمَّقَةِ، والمَحْشُوَّةِ بِالعَسَلِ وبِالفُستُقِ واللوزِ والجَوْزِ، وَالمرشوشةِ بِالسُّكَّرِ؛ لنْ تستطيعَ أنْ تُقْنِعَ دجاجةً بأنَّك الرَّجلُ الذي يستحِقُّ أنْ يكونَ ديكاً كما ينبغي؛ اِبْتَدِعْ ما تشتهِي مِنَ الحِيَلِ والألاعيبِ، وَضَعْ ما تشتهِي مِنَ المَساحيقِ على وجهِكَ، لنْ تستطيعَ أنْ تكونَ إِلا أنتَ، ولأنَّكَ لا تُشْبِهُ شيئاً في هذا العالمِ، فإِنِّي – شَفَقَةً – سَأُؤَجِّلُ النَّظَرَ في تشبيهِكَ بِشَيءٍ ما، أو بِكائِنٍ ما، فحَرامٌ عليَّ أنْ أفعلَ ذلكَ؛ وأنا أُدرِكُ بِحِسِّيَ الفِطرِيِّ، وبِما أمتلِكُهُ مِنْ غريزةٍ فائقةٍ، أنَّكَ لا تُشْبِهُ شيئاً على الإطلاقِ؛ أنا أعرفُ أنَّكَ قصيرُ القامةِ جِدّاً، ليس فقط لأنَّكَ قصيرٌ فِعْلاً، ولكِنْ لأَنَّ المِقياسَ الحقيقيَّ للطُّولِ المُطَبَّقَ على النَّاسِ، لا يَنْطَبِقُ عليكَ؛ لذلكَ. أُؤَجِّلُ النَّظَرَ في قياسِكَ إلى حينِ اختراعِ مقياسٍ جديدٍ، يُمْكِنُ قِياسُ قامتِكَ بِهِ.!.
 اِحْفَظْ ما تستطيعُ مِنَ الأقوالِ المَأثورةِ، وأقوالِ الحُكُماءِ، وَالسَّاسةِ، وَالمُفكِّرينَ، والاقتِصادِيَّينَ، وعُلَماءِ الدِّينِ، والاجتِماعِ، ومَا تيسَّرَ لكَ مِنْ أقوالِ الأنبياءِ والمُرسَلِينَ؛ فذلكَ كُلُّهُ لنْ يُجْدِيَكَ نَفْعاً، وأنتَ تشعُرُ في أعماقِكَ، أنَّكَ لا تهضُمُ حَرفاً واحِداً مِنْ ذلكَ كُلِّهِ؛ وأنَّكَ عَصِيٌّ على التَّعَلُّمِ، فما بالُكَ بِالمَعرفَةِ، لأنَّكَ عَدَوٌّ لَهُما في صُلْبِكَ وذاكرتِكَ العَفِنَةِ.
فرقٌ كبيرٌ أيُّها المَأفونُ، ما بينَ أنْ تحترمَ العقلَ، أوْ أنْ تستخدمِهُ استخداماً تعسُّفِيّاً كَدَابَّةٍ، أنتَ تعرِفُ فقط أنْ تستخدمَ عقلَكَ كحمارٍ؛ لكنَّكَ لا تعرِفُ على الإطلاقِ قيمةَ العقلِ، كسيِّدٍ مُطلَقٍ، أنتَ لا تحترِمُهُ؛ لذلكَ فهو يحتقِرُكُ، أنتَ تُعامِلُهُ كخادَمٍ فقط، وهوَ يعرِفُ عندَ اللزومِ كيفَ يرُدُّ عليكَ؛ لذلكَ. فأنتَ لا تجِدُ جَواباً شافِياً لِنفسِكَ، عندما ترى نفسَكَ جَباناً أو مُراوِغاً أو كاذِباً، وحدَهُ الشُّجاعُ يَعيشُ العقلَ، ويعرفُ قيمتَهُ، لأنَّهُ بذلكَ يخطُو إلى حُرِّيَّتِهِ؛ أمَّا أنتَ، فإنَّكَ عَبْدٌ لذاتِكَ المريضةِ المُنْتَفِخَةِ كفُقاعةِ صابونٍ ردِيءٍ.
 اِنتبِهْ مِنَ الماءِ، كَيلا تذوبَ .!.
اِنتبِهْ مِنَ الهواءِ، كَيلا تطيرَ .!.
 اِنتبِهْ مِنَ الأرضِ، ِكَيلا تغرَقَ في رمالِها المُتَحرِّكَةِ .
 بِإمكانِكَ " ألا تكونَ " كما تريدُ، وَلَكِنْ، ليسَ بِإِمْكَانِكَ مرةً واحدةً في حياتِكَ " أن تكونَ ".!.
هل تَذْكُرُ عَمَّكَ "شِكِسْبِير" في "هَمْلِتْ".!؟.
 مِنَ الأفضلِ لكَ أنْ تُباشِرَ عملَكَ الجَديدَ: أَلا تَعْمَلَ شيئاً، اشْترِ أكياساً مِنَ البِزْرِ، و"فَصْفِصْ" غباءَكَ على مَهْلِكْ، فيما تَبَقَّى لكَ مِنْ عُمُرٍ، أمامَكَ فُرصةٌ أخيرةٌ لتُثْبِتَ أنَّكَ تستحِقُّ الرِّثاءَ؛ إِيَّاكَ أنْ تبكِيَ، فأنتَ أصْلاً لا تملِكُ أنْ تبكيَ، ولا تستطيعُ عيناكَ أنْ تصنَعا دَمْعاً.
هل تعرفُ أيُّها الغبِيُّ، ماذا يعنِي أنْ يكونَ الإنسانُ بِلا دُموعٍ .؟.
 إِسْأَلِ التَّماسِيحَ ...؟!
***********
 اللاذقية 2010
المصدر موقع ألف
الفئة: مقالاتي | أضاف: negative9558 (10-09-08) | الكاتب: negative9558 E
مشاهده: 575 | الترتيب: 1.0/1
مجموع التعليقات: 0
الأعضاء المٌسجلون فقط يٌمكنهم إضافة تعليقات
[ التسجيل | دخول ]