الرئيسية » مقالات » مقالاتي

مشاهد عن نساء بورجوازيات ... الكاتبة السورية ليندا حسين

ثلاثتهن سيقفن خلف النافذة لنصف الساعة القادمة. هكذا يستقبلن أيامهن كل يوم. يشبهن بعضهن من الخلف كثيرا. ظهورهن انحنت وعرضت من طول الجلوس والأيام الكسولة. حين أعلن خروجي سيزحفن صوبي دفعة واحدة ليتأكدن أن هيئتي على مايرام. وسيكون لامرأة ثمانينية ـ هي جدتي ـ نفس مزاج امرأة ستينية ـ هي أمي أو خالتي ـ فيما يخص المكياج واللبس وطريقة المشي.
الجدة تأتيني ببقايا فنجان القهوة. تدويرة.. اثنتان.. ثلاث. تشرح لي. ستقرأ الفنجان في غيابي، وقد تستعين بابنتيها.
فناجين القهوة أيامي التي تبدو غامضة مهما حكيت في المساء من تفاصيل.
هناك دائما شيء مفقود في الحكاية.. يقول الفنجان، والفناجين لا تكذب.. تقول جدتي.
أنزل للشارع. أرفع رأسي صوب نافذتهن. أنظر في عيني كل واحدة منهن وألوح لها. هكذا فقط يصلهن شعوري بالأمان وبأني سأعود كل يوم بقدر هائل من السعادة ليتابعن حياتهن الهادئة دون قلق. رؤية ابتساماتهن الخرقاء تجعل كل الجيران الموجودين صدفة في المشهد يفرطون من الضحك. رؤية ابتساماتهن الخرقاء تجعلني أصاب بشيء من الحزن، بشيء من الحزن والدوار.
مشهد 2:
إنه صباح الجمعة مجددا. سماء محجوبة بالغيوم، ومطر.
نجلس بكسل حول طاولة واطئة قديمة مشغولات بقراءة الفناجين المقلوبة. فناجين قهوتنا جرائد الصباح. كل واحدة تقرأ جريدة الأخرى.
بعد قليل سنقف عند النافذة: على اليمين جدتي، على يسارها أمي، على يسار أمي خالتي نادية، وعلى يسار نادية أنا. اليوم عطلة ويمكنني التسكع معهن عند النافذة إلى مالانهاية.
"سنذهب اليوم إلى السينما" قالت خالتي مستيقظة من شرودها. "بما أن المصعد تم إصلاحه، يمكن للجدة الذهاب دون أي حساب لمفاصلها المتعبة".
نادية تتصل بموظفها المفضل لتسأل عن مواعيد الأفلام العربية.
"إنه فيلم عن الحب" قالت نادية فخورة بإنجازها.
"جميل جدا" قالت الأخريات.
مشهد 3:
ثمة امرأة عند النافذة تدير ظهرها لغرف البيت وتراقب بشرا يمشون في الشارع. امرأة حين تقف هناك تتذكر كم كان هذا ممتعا فيما مضى، حين كانت الأخريات مايزلن هنا.
..
على الطاولة القديمة الواطئة فنجان قهوة مقلوب. فنجان قهوة لن يقرأه أحد

الفئة: مقالاتي | أضاف: negative9558 (10-07-08) | الكاتب: مجد يونس أحمد E
مشاهده: 656 | الترتيب: 0.0/0
مجموع التعليقات: 0
الأعضاء المٌسجلون فقط يٌمكنهم إضافة تعليقات
[ التسجيل | دخول ]