[ رسائل جديدة · المشاركين · قواعد المنتدى · بحث · RSS ]
  • صفحة 1 من%
  • 1
منتدى » مسرحيون بلا حدود » دراسات مسرحية » ستانسلافسكي ( 1 ) منهجه الذي ولد من احتياجات الممارسـة
ستانسلافسكي ( 1 ) منهجه الذي ولد من احتياجات الممارسـة
negative9558 التاريخ: الثلاثاء, 10-08-24, 2:03 PM | رسالة # 1
رقيب
مجموعة: المدراء
رسائل: 21
 
سمعة: 0 ±
حالة: Offline
ستانسلافسكي
منهجه الذي ولد من احتياجات
الممارسـة فـي الفــن المسرحي

عبدالهادي الراوي
مسرحي وكاتب يعيش في هولندا

المراقبة والنظرة الثاقبة الى الظواهر الطبيعية، تولد الفن».
شيشيرون
**********************
« الفنان في علاقة ثنائية مع الطبيعة: انه سيدها، وعبدها في الآن ذاته. انه عبد، بما انه مجبر على الفعل بوسائل أرضية، ليكون مفهوما. وهو سيد، بمقدار ما يُخضِع هذه الوسائل، ويجبرها على العمل لصالح نواياه السامية».
غوته
************************
«التكنولوجيا هي منطق الوقائع التي صنعها نشاط الانسان العملي، والأيديولوجيا هي منطق الأفكار، اي المعاني المستخلصة من الوقائع، المعاني التي تؤشر الطرق والأساليب والأشكال، لإبداع وقائع جديدة».
غوركي
***********************
في ربيع سنة ١٩١١، قرأ ستانسلافسكي المخطط الأول لــ«المنهج»، على أسماع غوركي. وحدث بينهما الحوار التالي، الذي سجله تيخونوف (سيريبروفي):
غوركي : يبدو لي أنك ابتدعت عملا في غاية الأهمية، عملا ذا أهمية هائلة، علما عن الفن. قد يبدو للبعض أن الفن والعلم لا يجتمعان. علم وفن؟..لكن الأمر غير ذلك. فالفن هو مجهود انساني، قبل كل شيء آخر. وبعد ذلك، البقية الباقية. ولغرض جعل الجهد مثمرا، ينبغي تنظيمه علميا. هل فهمت فكرتك فهما صحيحا؟
ستانسلافسكي: بالضبط:
وهكذا، علم عن الفن. لقد بحث ستانسلافسكي لمدة خمسين عاما ما سماه غوركي «علما عن الفن». هذا الجهد المضني لفنان عبقري وعارف عظيم بكل مدارات العمل المسرحي المعقد، لم يكن له أن يذهب سدى. ونشأ العلم.
قبل كل شيء، كل علم يميزه أن لا تكون مكوناته مصطنعة، لا تكون مؤلفة، بل مكتشفة. انها موجودة قبل أن تكتشف، ووهي مؤثرة سواء أعرف الناس أو لم يعرفوا، أعجبت هذا الشخص أو ذاك أو لم تعجبه.
وهذا كله، بالدرجة ذاتها، ينطبق على منهج ستانسلافسكي. وهو مثل أي علم أصيل، غير مخترع، غير مصطنع، غير مؤلف، بل مكتشف في الممارسة الحية للابداع التمثيلي، ذلك الابداع الموجود قبل أن يكتشف ستانسلافسكي قوانينه، والتي تبقى موجودة بغض النظر عن معرفة الناس بها، وبأية درجة عرفوا هذه القوانين.
يقول ستانسلافسكي: «ان لطبيعتنا الفنية قوانينها الابداعية. وهذه القوانين الزامية لجميع الناس، لجميع البلدان، لجميع الأزمنة ولجميع الشعوب. وينبغي ادراك جوهر هذه القوانين»... «جميع الفنانين العظام ساروا في ابداعهم حسب هذه القوانين، من غير ان عرفوا بذلك، ساروا من غير أن يعوا ذلك».
ويقول في مكان آخر : « فن المعاناة، يضع في أساس نظريته، مبدأ الابداع الفطري للطبيعة ذاتها، حسب القوانين الطبيعية، التي وضعتها هي». ويقول في مكان آخر : «هناك منهج واحد، هو منهج الطبيعة الحية الخلاقة. ولا وجود لمنهج آخر» .. «قانون الطبيعة الخلاقة، لا يمكن تغييره».
وهكذا، فان السمة الأساسية لمنهج ستانسلافسكي كعلم، هي موضوعية القوانين، التي تكونها.
والسمة الفائقة الأهمية بالنسبة لنا: كل علم أصلي، يوجد لاشباع حاجات الممارسة الانسانية. وهذا كله كاملا ينطبق على منهج ستانسلافسكي. فهو قد ولد من احتياجات الممارسة في الفن المسرحي، وكان هدفه هو تحسين الممارسة. وقد جرب ستانسلافسكي منهجه في الممارسة الابداعية والتعليمية.
وكما في كل علم آخر، لا يمكن لمعايير الممارسة أن تؤكد أو ترفض بالمطلق، القوانين المكونة لمنهج ستانسلافسكي. لأن هذه القوانين هي «تصورات انسانية» ، هي انعكاس في رأس الانسان.
السمة الثالثة المهمة بالنسبة لنا: لا يمكن لأي علم ، بما انه «انعكاس في رأس الانسان» أن يتماهى مع الممارسة التي يخدمها.
كل ممارسة تحتاج الى معطيات طبيعية معينة، أما اذا فُقدت هذه المعطيات، فلن يُستطاع تحسين هذه الممارسة، ولن يُستطاع تطبيق العلم. تماما مثل استحالة الزراعة بصورة عامة، وبذلك استحالة التطبيق العملي المفيد للعلوم الزراعية، عند غياب التربة والماء والهواء.
حين يحاول أحدهم تطبيق العلم، متجاهلا غياب الشروط الضرورية لتطبيقه ، فيصادف الفشل، فان هذا لا يدحض العلم. ان ذلك يثبت فقط، ان الذي أصيب بالفشل لم يكن ملما بهذا العلم بدرجة كافية، وانه -جزئيا- لا يعرف الشروط اللازمة لتطبيقه.
وهذا كله ينطبق على منهج ستانسلافسكي. فلغرض تطبيقه تطبيقا مثمرا، يُحتاج الى شروط ملزمة. وعند غياب هذه الشروط، فان منهج ستانسلافسكي لا يمكن تطبيقه.
الشرط الأول والضروري بشكل مطلق، هو الموهبة، القدرات، الملَكة. ويستحيل بدون هذا الشرط تطبيق منهج ستانسلافسكي، كما تستحيل الزراعة بدون أرض.
هناك شروط أخرى ضرورية، لغرض تطبيق علم فن التمثيل. وسنبحث تلك الشروط في الفصل الأخير.
السمة الرابعة والأخيرة في تعدادنا القصير، الذي لا يستنفد طبعا- كل قائمة السمات: «على النظرية العلمية الشرعية الحقيقية، أن لا تكتفي بشمول المادة الموجودة كلها فقط، بل وعليها أن تفتح امكانيات واسعة للدراسة المستقبلية، ويمكن القول، للتجريب بلا حدود» كما يقول بافلوف.
كل علم أصيل لا يجيب على أسئلة الممارسة فقط، بل ويبحث - دائما - عن أجوبة جديدة، أكثر دقة: كل جواب مؤسس علميا، يفترض طرح سؤال جديد. ولهذا فان العلم لا يستطيع أن يراوح مكانه. فالعلم لا يحتوي على تلك القوانين وتلك الحقائق التي يمكن أن تستعمل في الممارسة بدون إبطاء، بل ويحتوي على تلك المطلوبة لتحقيقها في الحياة، ولاستمرار تدقيقها وتوضيحها وتفصيلها. وتبعا لذلك، لا يدخل في تركيبة أي علم من العلوم قوانين وحقائق مؤكدة فقط، بل وفرضيات وتخمينات.
ولهذا فان التطبيق العملي لأي علم، هو سيرورة ابداعية: ولهذا بالتالي، مهما عرف انسان ما، هذا العلم أو ذاك ، فهناك امكانية لوجود انسان آخر، يعرف ذلك العلم أفضل منه.
وهذا يميز منهج ستانسلافسكي أيضا. فالعلم الذي أبدعه، يمكن معرفته بهذه الدرجة أو تلك، لكن يستحيل معرفته تماما، حتى النهاية. يقول ستانسلافسكي : « أنا ستانسلافسكي، أعرف المنهج، لكني لا أعرف تطبيقه، أو بالأصح، بدأت فقط، في معرفة كيفية تطبيقه. ولغرض احكام المنهج الذي تعهدته، ينبغي لي أن أولد مرة ثانية، وأن أبدأ التمثيل حين أبلغ السادسة عشرة من العمر».
لكن رؤية امكانية تطور علم من العلوم، لا يعني - بالطبع- رفض ما وصل اليه ذلك العلم. فنسبية الحقيقة -كما هو معلوم - لا يلغي موضوعيتها. والحقيقة الموضوعية يمكن معرفتها بشكل موثوق.

 
منتدى » مسرحيون بلا حدود » دراسات مسرحية » ستانسلافسكي ( 1 ) منهجه الذي ولد من احتياجات الممارسـة
  • صفحة 1 من%
  • 1
بحث: